مراجعة رواية: الهندي، الطريق إلى الحبشة.

 المنشور في صفحتي على فيس بوك بتاريخ ٣١ ديسمبر ٠٢٢
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid02vd3yfCZZCW5TTUjughnxKe4vrfhsoqoi7Hn6jJhE9Yc7CoH2Sb6PDVdfmyfx3SYql&id=100002609074771


رواية الهندي، الطريق إلى الحبشة


الرواية.

كاتب الرواية: محمد الأمين مصطفى 



أنهيت في يومين متقطعين ماتعين رواية الهندي: الطريق إلى الحبشة للروائي: أ.محمد الأمين مصطفى.

وبمجرد ما فرغت من الكتاب هدأت أنفاسي وتمنيت لو أصدر محمد الجزأين معا حتى نتمتع باستكمال الرواية.

الرواية مشوقة وجيدة التقسيم، مكتوبة بقلم يفيض جلالا ومحبة للشخصية البطلة، شخصية الشريف حسين الهندي.
أحسن الكاتب إذ تناول هذه الشخصية بكتابة تاريخها مصطحبا موقعها من تاريخ البلاد والأمة العربية، فالسودانيون أمة مقصرة تجاه عظمائها وأبنائها البارزين على اختلاف المجالات.
كتاب شيق وجميل، اجتمعت فيه معرفة متجذرة بظروف نشأة الشخصية وتركيبتها النفسية والجسدية، وطريقة عيشها مع معرفة بالتاريخ والجغرافيا مكنت الكاتب من السير بشخصيته في حيزين: جغرافي وتاريخي. متوازيينِ والبناء النفسي وحوارات الشخصيات.
فالمشاهد تتحرك متماسكةً مع لوازمها من حوارات الشخصيات وخلفيات الزمان والمكان والبيئة، بل وحتى الطقس ونوع الطعام، وتفاصيل دقيقة أخرى ماتعة وبعيدة عن الملالة.
وكما في عنوانها: الطريق إلى الحبشة. شعرنا بوقع هذه الرحلة منذ البداية، وبحاجتنا للفرار مع الشخصية قبل أن تصطادنا عيون النميري، بدءا من الليلة التي اختارها الكاتب نقطة بدء: ليلة انقلاب نميري. ونجح في تعليقنا بالأحداث لنتشوق لقراءة ما حدث، فصل من الماضي وفصل من الحاضر، وكلاهما مؤرخ باليوم والشهر والسنة، مما سهل علينا تتبع التسلسل التاريخي، وربطه بالأحداث التي نعرف من ثقافتنا وقراءاتنا في التاريخ وغيره.
وكما أصّل الكاتب لتاريخ بطله بما يخدم الرحلة المعنية بالكتابة، فإنه قد أصل أيضا لتاريخ المكان والزمان والأبطال الفرعيين، فلم يغفِل أهلَ الشخصية الرئيسية: الحسين. ولا صداقاتها ولا أصغر الشخصيات شأنا كسائق أو خادم -وفي هذا من التأريخ والتوثيق والذكر ما فيه- ولا أيضا مكان التقاء أي شخصية سيكون لها دور في رحلة الحسين للحبشة.

غير أني تمنيت أن يطول الكلام قليلا حول عنصرين مهمين في القصة: النساء في حياة الشريف الحسين بدءا بالوالدة والأخوات وحتى الزوجة، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى: أيامه في شبابه مع الإمبراطور الحبشي الذي نفي إلى الخرطوم واستقر في سرايا الشريف: هيلاسلاسي.

لم نحصل في سيرة الرجل إلا على حوار قصير مع الأديبة المصرية أماني فريد، وذكر متعجل لمشروع زواج لم يتم من ابنة السيد عبد الرحمن المهدي، وذكر أكثر عجلة لزواجه بابنة الخليفة الحاج أحمد عبد الوهاب، دون ذكر لاسمها أو تاريخ زواجهما (إلا إذا اعتمدنا تاريخ الباب ١٩٦٨)، ودون ذكر محلها في قلب الحسين أو اهتمامه خلال رحلته إلى الحبشة، فهل ظل على اتصال معها بالرسل أو الرسائل؟ وهل طالتها تهديدات بغرض كشف مكان زوجها من السلطات آنذاك؟ وهل رزقا بأبناء أو غير ذلك؟ وأين ذهبت خلال الرحلة؟ هل ظلت مع شقيقات زوجها أم عادت لمنزل أهلها؟
يرد كذلك ذكر شقيقات الحسين ووالدته ذكرا عرضيا كأنما جاء لإخبارنا بوجودهن لا أكثر، مع إغفال مشابه لقلقهن أو أية مراسلات أو حوارات بينهن وبين أزواجهن بخصوص الأخ الغائب، أو رسل من أخيهن في المدة التي كان فيها الحسين مطاردا.

أما بالنسبة للإمبراطور فقد اقتُطع عنه الحديث بانتهاء الباب الذي وصفه منفيا في سرايا الشريف، دون جملة إشارية تلقي في ذهن القارئ عودته للأحداث فيما بعد خاصة مع دوره العظيم الذي سيأتي، لا كيف سيعود لبلاده بعد هذا المنفى، ولا كيف سيستعيد سلطته بل ويؤمن مقرا آمنا للحسين حين يكون في أمس الحاجة لذلك، خاصة وأن الرواية كلها تقوم على فكرة الفرار إلى الحبشة ملاذا آمنا يخطط منه الحسين لثورة على النظام الشيوعي، كان قد بدأ مراسلاتها قبل خروجه من البلاد، فكان من الأولى أن تبنى الأحداث في الحبشة بالمثل مع أحداث الخرطوم (حياة الحسين ومحطاته التي أدت لأن يكون مطلوبا من النظام الشيوعي بالاسم) منذ بدايتها في حياة هيلاسلاسي وحتى ذروتها (نفي هيلاسلاسي إلى الخرطوم وإقامته الجبرية في سرايا الشريف) ثم انفراجها التدريجي حتى عودة الرجل لبلاده واستعادة سلطته التي مكنته من تأمين حياة رجل مهم وخطر كالشريف الحسين.

غير أن غياب هذين العنصرين لم يفسدا شيئا من تشويق الرواية وجماليات وصفها، وتمتعي من موقعي قارئةً بالتعرف على طبيعة السودان وفهم الوضع السياسي والديني، الطرق الصوفية وبيوتاتها، في المدة التي تناولتها الرواية، ومعرفة أصول ونسب الأسرة الهندية الممتد هنا وهناك في هذه البلاد الواسعة.

تمنيت أيضا لو أضاف الكاتب فهرسا للأبواب، وهوامشَ لبعض الكلمات التي ظننت أنها ستكون غريبة على القارئ العربي، وهوامش تحيل للتاريخ والمصطلحات والمراجع في الجمل والاقتباسات التي كانت بحاجة لهذا الإيضاح.

عمل جميل وواسع نجح في كتابته الصديق أ.محمد الأمين مصطفى بقلم محب ويستحق عليه التهنئة.

كانت هذه مراجعة عجلى أتت من قراءة واحدة للرواية، لكنني آثرت ألا أرجئها حتى القراءة التالية لأهنئ كاتبها على جهده الثمين المقدر، وإضافته الكبيرة للمكتبة السودانية التي تتشوق لمثل هذه الأعمال.

ألف مبارك طباعة هذه الرواية يا محمد، في انتظار جزئها الثاني، وكل عام والأمة السودانية بأمن وخير.







تعليقات

المشاركات الشائعة